بقلم – محمد مقلد
معظم الناس تناسوا عن قصد أن هناك رب لهذا الكون خلقنا فى الدنيا لنواجه اختبار
الحياة الشاقة لنعود إليه تعالى ليحاسبنا على أفعالنا ، لقد انشغل مثل هؤلاء
بالبحث عن متاع الدنيا وباعوا أنفسهم للشيطان ، فوجدت من يكذب ، يشهد بالزور ، يضلل
نفسه ، يهلل لصاحب القرار حتى ينال رضاه فيحصل على جائزته ، وهذا الفصيل يريد أن
تستمر حياتهم بتلك الطريقة التى يتكاثر فيها ضحاياهم بصورة مفزعة ، فيغيب العدل وينتشر الفساد و
الظلم والقهر.
هؤلاء المغيبون فى الدنيا يجبرون الجميع على الخضوع لهم والسير فى طريقهم
دون اعتراض ، ومن يخرج عن السرب ويحاول أن يغرد خارجه برفع شعار الرفض لتلك الأفعال
والتصرفات التى يغديها الشيطان الذى سيطر عليهم ونجح فى إبعادهم عن طريق خالقهم ،
ويحاول أن يقنعهم بتعديل مسارهم واختيار الطريق الذى يرضى عنه الله تعالى ، تجدهم
على الفور يلجئون لـ " نظرية جحا " ويطالبونه بأن يلتزم بتلك النظرية ،
ولا يهتم إلا بنفسه ويرفع شعار " لا أرى لا أسمع لا أتكلم " أو بمعنى أدق
" وأنت مالك ما تخليك فى حالك "
لقد أيقنت أن بعض المسئولين ممن يختارهم الله تعالى ليشغلوا مناصب قيادية فى بداية طريقهم يحاولون الحفاظ على المال العام
، يحققون العدل ويلتزمون بالقانون واللوائح ، لا يخالفون ضمائرهم تحت أى ظرف ،
يلتزمون بطريق الله تعالى ، ولكن للأسف هذا الطريق لا يرض عنه بطانة السوء ورفاق
الشيطان ، فينسجون خيوطهم العنكبوتية حوله ويبثون سمومهم فى أذنه حتى يقع فى فخهم
ويجد نفسه بدون مقدمات يركب معهم السفينة التى تبحر حسب توجهات الشيطان ، ليصل إلى
جزيرتهم التى لا يعيش فيها إلا من نامت ضمائرهم.
جزيرة يستحلون فيها المال الحرام ، ويتعاملون مع الظلم على أساس أنه قمة
العدل بل العدل بذاته ، وحتى تجد لنفسك مكان داخل جزيرة الشيطان هذه ، عليك أن تتمتع
بالكذب والنفاق ، وشهادة الزور وسيلة لابد أن تحافظ عليها لإرضاء صاحب القرار ، والالتزام الكامل بالتطبيل
والتهليل لأى قرار يصدره ، واللجوء للمظلومية ودموع التماسيح لكسب التعاطف المزيف
، ولكن مهما طال عمر هؤلاء فلابد أن تُكتب
سطور النهاية لهم وتغرق جزيرتهم فى بحر العدل والقيم ومكارم الأخلاق ، فالله
سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل.
النظرية سهلة وبسيطة وواضحة أمام الجميع ولكن اصرار بعض المسئولين على
ارتداء النظارة السوداء من شأنه أن تكون نتائجه وخيمه فمهما طال عمر الفساد والظلم
والقهر لابد من نهاية تعّدل المسار للطريق الصحيح ، فالمسئول الناجح لا يعطى أذنه
لغيره يسمع منه ويكون رأيه ويصدر قراراته بناء على ما سمعه وفقط دون أن يكلف نفسه
ليتأكد مما أملى عليه ، فتكون النتيجة فى معظم الأحيان أن يصنف دون أن يشعر بأنه
مسئول ظالم ، وللأسف الشديد بعضهم يعلم الحقيقة ويرى الظلم والفساد أمامه ويصر
بصورة مريبة على ارتداء النظارة السوداء ، وهنا لا يلوم إلا نفسه عندما يتم وضعه
فى بؤرة المشارك فى هذا الفساد والظلم ، فهو الذى وضع نفسه فى موضع الاتهام حتى
ولو كان برئ منه.
المسئول الناجح يا سادة لا يستغل منصبه القيادى فى فرض السطوة والجبروت والظلم
ومخالفة كافة الأعراف والقوانين من أجل مصلحته الشخصية وفقط ، المسئول الناجح لا يترك
من هو أقل فى المنصب يتجبر ويظلم ويفسد دون أن يوقف هذا المسلسل الذى يعود بالضرر
عليه أولاً ، لأن فى النهاية بطل هذه المساوئ يتحدث باسمه ويصدر القرارات الخاطئة
ويتهمه بأنه صاحب القرار ، فعندما يصل الأمر بالمسئول أن يترك من هو أقل منه فى
المنصب يستغل اسمه والسير فى طريق الشيطان ويدعى أن سائق السيارة التى تسير فى هذا
الطريق هو المسئول نفسه ، وأنه صاحب القرار ، فهنا نحن أمام أمرين لا ثالث لهم ،
أما أن المسئول اختار عن قناعه منه السير
فى هذا الطريق ويباركه فيفضل ارتداء النظارة السوداء ، أو أنه غافل عما يدور حوله وهنا
تمكن قمة الكارثة ، لأنه فى النهاية سيتحمل كل هذه الأخطاء أمام الله تعالى.
وعندما تتفاقم الأمور ويفرض الله أمره بضرورة أن يتحمل كل من أخطأ نتيجة
أفعاله ، تجد بطانة السوء ممن ورطوا المسئول فى كل قضايا الفساد والظلم ومخالفة
القانون يقفزون من السفينة ، فهنا يرفع كل من استفاد منه وورطه شعار " نفسى
نفسى " بل تصل الأمور فى بعض الأحيان للشهادة أمام جهات التحقيق بفساد وظلم
هذا المسئول ، ففى النهاية هؤلاء عبيد لكرسى المنصب وليس المسئول نفسه ، وهنا تظهر
مقولة ، كلب المسئول مات فتجدهم جميعاً يتصدرون مشهد العزاء ، ولكن إذا مات
المسئول يرددون " كلب ومات " للأسف الشديد هذا ما يحدث فأفيقوا يرحمكم
الله قبل أن يأت يوماً لا ينفع فيه الندم على ما اقترفتموه فى حق أنفسكم قبل حق
الآخرين.
اللهم قد بلغت اللهم فأنت الشاهد