يكتبها – محمد مقلد
سكون
الليل عدوه الأول ، ضميره استغل هذا العدو ليجلده دون رحمه ، يعذبه بكلمات قاسية
عليه وعلى قلبه ، تحول لإنسان يعيش بلا روح بعدما انفصلت عنه ورافقت " رحيل " لتخفف
عنها الآلام ، دموعه لا تفارق وسادته كلما تذكر ما فعله بها ، ليالى سوداء كادت
تفقده الحياة التى بدت بلا قيمة بدونها ، اعتقد أن الأيام كفيلة بأن يطوى صفحتها
دون رجعة ، ولكن هيهات ما من يوم يمر عليه إلا ويزداد نار اشتياقه لها ، والحنين
الجارف لرؤيتها ، ومع ذلك كان يتعمد الابتعاد عنها ويحرص على ألا تراه حتى يساعدها فى
نسيان ما حدث.
أيام
صعبة قاسية على نفسه وروحه ، قادته ليعود بذاكرته ، لتلك الرسالة التى تلقاها من
صديقه " سعيد " تكشف عودته من السفر بعدما كون ثروة لا بأس بها ، ضاع في
سبيلها 6 سنوات انقضت من عمره فى الغربة
عن وطنه وأهله ، أخيراً تمكن من مساعدة شقيقاته فى الزواج ، وقام ببناء منزل مكون
من خمسة طوابق ، واشترى سيارة ، وافتتح مشروع كبير لبيع قطع غيار السيارات ، تضمنت
رسالته قراره بعقد قرانه بعد أسبوع على الفتاة التى كان يحلم بالزواج منها ، وطلب
منه ضرورة التواجد ليكون شاهد على عقد الزواج.
توجه
فى اليوم المحدد لزفاف صديق عمره ، عيناه تخترق زجاج السيارة ليستمتع بما تراه من
مناظر جميلة ، شريط لقاءاته الحزينة مع سعيد فيلم سينمائى أحداثه يسترجعها عقله ،
يا.. يا سعيد ، لسه فاكر يوم ما انفجرت دموعك من عينيك لتعلن العصيان والرفض
للحالة المادية الصعبة اللى أنت كنت تعيش فيها ، وأمنيتك التى أرهقت قلبك لتتزوج
بمنال التى عشقها قلبك ، تلك الفتاة التى تحولت لحلم طاردك ليل نهار ، ودعواتك
التى لم تنته بأن يجمعكما الله تعالى تحت سقف منزل واحد ، شكواك الدائمة وهمّ
تزويج شقيقاتك ما زالت تطارد ذهنى ، أخيراً يا سعيد الدنيا قررت أن تعطيك وجهها
بعد سنوات قضيتها لا ترى منها إلا ظهرها فقط.
صوت
السائق أخذ يدوى داخل السيارة "
الأجرة يا بهوات " ، يرقص قلبه من السعادة ، فكلها لحظات ويلتقى بسعيد الذى
اشتاق لرؤيته ، يتلهف لرؤية صديقه فى ثوبه الجديد بعدما تخلص من الحزن والكآبة ،
قدماه تقترب رويداً رويداً من المنطقة التى شهدت نشأتهما معاً ، يسترجع ذكريات
الطفولة ، سأل نفسه ، أين صوت الموسيقى والأغانى الشعبية التى تميز الأفراح فى تلك
المنطقة الريفية ، صدى صوت قارئ القرآن ينتشر فى الهواء ليحاصر أذنه ، على ما يبدو
أن هناك حالة وفاة بالقرب من منزل سعيد ، ده أنت حظك على طول كده يا سعيد حتى فى
يوم فرحك.
أمام
عينيه رجال يصطفون أمام سرادق العزاء ، صوت بكاء وأنين النساء يدوى فى كل مكان
ليعلن حالة الحزن والحداد على من وافته المنية ، عم صابر شقيق والدة سعيد يقترب
منه ، الدموع تحجب عنه الرؤية ، يستقبله بالأحضان ببكاء هستيرى ، وبصوته الحزين
" سعيد مات "، " سعيد بيتزف على حورية من الجنة " لم يتمالك
نفسه ، قدماه لا تقوى على حمله ، قواه تخور ، عيناه سماء تمطر دموع ، يصرخ ويصرخ
ويصرخ ، " لا مش ممكن , سعيد ... سعيد " ، أنهار تماماً ارتمى على الأرض
وأخذ يصرخ " حبيبى يا سعيد ، الله يرحمك يا أطيب خلق الله "
استقل سعيد سيارته الجديدة متجهاً للمدينة ليُحضر بدلة الفرح وفستان العروس ، بصحبته أحد الأصدقاء ، وأثناء عودته اصطدم بأتوبيس شرق الدلتا فأطاح بسيارته حتى كتب القدر نهاية مشوار سعيد فى الحياة قبل أن يبدأ ، انتهت علاقته بالدنيا بعدما أفنى سنوات عمره يبحث عن تحقيق حلمه ، ويرسم طريق مستقبله ، فالله تعالى أراد أن يجعله عبرة وعظة ، بأن الدنيا وما عليها بدون قيمة أمام إرادته تعالى ، فها هو سعيد فارق الحياة دون أن يستمتع بالمنزل الذى بناه ، والمال الذى جمعه ، والفتاة التى قضى أيام وليالى يحلم بالزواج منها ، يكفكف دموعه وهو يردد " رحمك الله يا سعيد " ، " رحمك الله يا أنقى من عرفت "
ما تقدم جزء من الفصيل الأخير من رواية " رجل فوق السحاب "