بقلم – محمد مقلد
يعلم الله وحده الحال التى أنا فيها ، وأنا أبحث عن كلمات بين معاجم اللغة
لأعبر عما بداخلى من حزن وألم لفراق محمد موسولينى ، الصديق الذى قضيت معه سنوات
طويلة ، عاصرنا خلالها كل تقلبات الدنيا بحلوها ومرها ، ربما أنا الوحيد الذى كنت أعرف
ما كان يعانيه من ظلم وقهر وإحساس دائم بالحزن والألم المكبوت.
من يشاهد شموخه وقوته يعتقد أنه يعيش سعيداً فى حياة مستقرة هادئة ، مع أن
بداخله طفل صغير يحمل بركان من الألم والإحساس بالظلم ، فقد بدأ حياته مع مهنة
البحث عن المتاعب لخدمة المحافظة وإلقاء الضوء على المشاكل التى يعانى منها أبناء
مدينته ، ودوره كان ملحوظ مع المسئولين وقتها ، وأهدر فى سبيل ذلك العام وراء
الآخر، حتى وصل للعقد الرابع من العمر وقد أهمل نفسه ولم يفكر حتى فى الزواج إلا
وهو فى سن كبيرة حتى رزقه الله بنجله يوسف بارك الله فيه.
ظل طوال حياته يشعر بالظلم والقهر وهو يشاهد المناصب السياسية والتنفيذية
توزع أمام عينيه على أشخاص لم يقدموا لمدينته مثقال ذرة مما قدمه ، ومع ذلك ظل
الأمل لديه بأنه سيأتى اليوم الذى يأخذ فيه حقه تقديراً لما قدمه ، ولكن هيهات فقد قست عليه الدنيا وأدارت له
ظهرها ، فهناك من كانوا يحقدون عليه وتقتلهم الغيرة من شخصيته والكيرزما التى كانت
تميزه ، فوضعوا نصب أعينهم إلا يفسحوا
الطريق له ، فهم يعلمون جيداً أنه لو وضع قدمه على الطريق لن يستطع أحد إيقافه.
بدأت علاقتى به رحمة الله عليه ، أثناء عمله بصحيفة السياسى المصرى ،
وتأكدت وقتها أنه يعشق مهنة الصحافة عشقاً لا حدود له ، لدرجة أننا كنا نسهر سوياً
على مقهى بالأربعين حتى الساعات الأولى من الصباح ، انتظاراً لسيارة الصحافة
القادمة من القاهرة ، ليطمئن بأن هناك موضوعات تم نشرها بتوقيعه بالصحيفة ، وأتذكر
أنه فى يوماً من الأيام وبعد أن سهرنا حتى الفجر ، لم يجد أى موضوعات منشورة باسمه
، فسيطر عليه غضب لم أشاهده عليه من قبل ، وقام بتمزيق الصحيفة وإلقاءها فى
الشارع.
وخلال عام 2002 كنت قد أسست مع بعض الزملاء جريدة " الرأى الآخر
" الإقليمية ، التى كان يمتلكها الشقيقان أسامة وأيمن الكلتونى ، والتى حققت
نجاحات كبيرة وقتها ، ففوجئت بصديقى محمد موسولينى يطلب منى العمل بالجريدة ، وكنت
أنا مديراً لتحريرها ، فاشترط عليه أن يوضع اسمه على ترويسة الصحيفة مديراً
للتحرير ، وأن يسبق اسمه اسمى تقديراً له ولتاريخه ، فلم يصدق وحاول الرفض ولكننى
أقنعته فى النهاية ، وقضينا فترة ما أجملها يتخللها تفاصيل وأحداث متنوعة لا يمكن
لى أن أنساها.
ولم أنس أننى ظلمته فى وقت من الأوقات واتهمته بالخيانة ، وأنه كان شريك فى
المؤامرة التى تعرضت لها فى قضية رمضان أبو الحسن الشهيرة ، ووقتها بكى أمامى وهو
يلومنى على هذا الاتهام الذى أثر عليه بصورة كبيرة ، وقضيت فترة طويلة أخفف عنه
بعدما أيقنت حقيقة الأمر وأنه بالفعل برئ وأننى تسرعت فى الحكم عليه واتهامه ،
رحمك الله يا صديقى لقد تحملت الكثير حتى من أقرب أصدقائك.
كنت أشعر بما داخله من حسرة على حاله وهو يبحث عن عمل يؤمن له مستقبله
بجانب عمله بالصحافة ، ومع أنه ابن أصيل لتلك المحافظة ومن مواليدها ، وقدم الكثير
من أجلها خلال عمله بالصحافة ، أُغلقت كل أبواب العمل فى وجهه ، وزاد من إحساسه
بالقهر والظلم وهو يشاهد صديقه القادم من محافظة غريبة يتم تعينه فى إحدى شركات البترول ، ومع ذلك وجدته سعيد بنبأ
التحاقى بتلك الوظيفة رغم أننى كنت لا أميل للوظيفة من الأساس ، وارتضى لنفسه فى
النهاية أن يعمل بمشروع المحاجر الذى لا يليق به وبتاريخه ، ولن أتحدث هنا عن
كيفية التحاقه بهذا العمل ، مع أنه يستحق الأفضل منه ، لأن ذلك زاد من الأوجاع
المكبوتة بداخله.
قسوة الحياة والظروف التى عاندته ، والأحداث الشخصية التى عاصرها وأثقلت من
همومه وأحزانه ، دفعته ليتخذ القرار ليبتعد عن كل شئ ، فأغلق كل وسائل التواصل
الاجتماعى ، وفضل أن يعيش وحيداً ، غريباً وسط عالم تحول لغابة يأكل فيها الناس
بعضهم البعض من أجل المناصب واللهث وراء المادة ، فنساه الجميع ولم يتذكره أحد إلا
مع نبأ مفارقته لتلك الغابة ، وصعود روحه لمدبر هذا الكون ، رحمك الله يا صديقى
فأنت بالفعل " عشت مقهوراً ومت غريباً "