بقلم – محمد مقلد
النفس البشرية هى أخطر عدو يواجه الإنسان ، فمن يسلم عقله وقلبه لنفسه تفعل
بهما ما تشاء ، يتحول بإرادته إلى تابع أسير لها ، ويبدو وكأنه عبد ذليل لنفسه ،
تصرفاته وأفعاله وفقاً لما تأمره به تلك النفس الأمارة بالسوء ، والنتيجة أنه يصبح
منقاد وراءها ينفذ أوامرها دون حتى أن يمنح عقله فرصة واحدة ليحلل أسباب ونتائج
تلك الأوامر ، وغالباً من يسلم أموره لنفسه ، هو الشخص البعيد عن الله تعالى وقلبه
يسكنه شيطان الدنيا ، فيسيطر عليه حب الأنا ، وتبهره مباهج الدنيا ومتاعها ،
معتقداً أنها مزايا وستظل دائمة إلى ما لا نهاية.
الإنسان إذا أيقن أن الدنيا بالنسبة له ، عبارة عن قطار يمر من خلاله بعدة
محطات حتى يصل لمحطته الأخيرة التى يسلم فيها الأمانة لصاحبها ، ويتحول لجسد بلا
روح ، أعتقد وقتها بأنه لن يمنح لنفسه الفرصة لتتحكم فيه وتضعه على طريق الشيطان ،
ويؤمن بأن الدنيا بالنسبة لأى إنسان ما هى إلا محطة وقت الانتظار فيها برهة من
الزمن ، وسيجد نفسه فجأة أمام المحطة الأخيرة ، فيمر شريط الذكريات سريعاً أمام
عينيه ويتذكر كل الأفعال والتصرفات السيئة التى كان بطلها خلال رحلته ، ويتمنى
للحظة أن يعود القطار للخلف ، أملاً فى أن يبدأ الرحلة من جديد حتى يتلاشى تلك
الأفعال ، ولكن للأسف هذا القطار بالذات من المستحيل أن يعود للخلف ، فقد قضى
الأمر وانتهت الرحلة ، وما عليك إلا تحمل نتائج رضوخك لنفسك ، والغرق فى بحر شهوات
الدنيا وملذاتها.
فنحن يا سادة نعيش فى عصر صعب للغاية ، فقد تلاشت كل اللغات وأصبحت لغة
" الأنا " هى اللغة الرسمية لمعظم البشر ، ممن سيطرت عليهم أنفسهم بصورة
مخيفة ، ففى مجتمع صغير لا يمثل شئ عاصرت
أحداث وظروف وتصرفات وأفعال تعكس مدى ما وصل إليه الإسلام لدى معظم من ارتضوا أن
يدون فى خانة الديانة أنهم مسلمون ، لقد شاهدت بنفسى من يتقابلون والابتسامة تكسو
وجوههم وبمجرد أن يديروا ظهورهم ، تتحول تلك الابتسامة الزائفة لسب ولعن ، وكأنهم
ارتدوا وجوه أخرى فى ثوانى معدودة.
وهذا ما يدفعنى للرد على بعض الشخصيات التى حاولت أن تستفسر منى عن سبب
مقطع الفيديو الذى نشرته مؤخراً ، ووصلت الأمور مع البعض إلى ضرورة أن أذكر أسماء
هؤلاء ممن حاولوا استقطابى ، فأنا هنا لم أنظر لموقف الشخصين اللذين حاولا أن أكون
سلاحهما للنيل من مسئول يعمل معهما فى نفس المؤسسة ، على أنها قضية فساد وأن
هدفهما الرئيسى هو التصدى لهذا الفساد ، بل نيتهما كانت واضحة أمامى ، فهما يبحثان
عن مكاسب شخصية من وراء تشويه صورة هذا المسئول ، فالأوضاع التى حدثونى عنها ،
والمخالفات التى حاولوا إقناعى بها من واقع الأدلة والمستندات ، موجودة منذ تقلد
هذا المسئول المنصب ، وكانوا ضمن من باركوا تصرفاته وأفعاله ، بل كانا متوجدين فى
الصفوف الأولى يصفقان له ويمطرانه بكلمات المدح والطراء ، وأنه الجهبز التى لم
تُنجب البشرية مثله ، فماذا حدث هل تحول فجأة إلى فاسد لابد من محاكمته ؟ وأقسم برب يوسف لا أحد فاسد غيرهم.
ما أذهلنى فى هذا الموقف ، علاقتهما مع هذا المسئول منذ قدومه للمؤسسة
وقربهما منه ، واستغلاله بصورة كبيرة من أجل مصالحهما الشخصية ، وتشهد الأيام
بأنهما استفادا منه بكافة الصور والأشكال ، وبعد أن انهيا كلامهما معى وانصرافهما ،
جلست مع نفسى أضحك بسخرية على حال الدنيا وما وصل إليه معظم البشر من صفات تصبغها
الخيانة والطعن فى الظهر حتى لأقرب الناس ، أنها غابة يا سادة ، لا تعرف مبادئ ولا
أخلاق ، فالوجوه تتبدل حسب المواقف والأشخاص.
نعم الوجوه تتبدل حسب المواقف والأشخاص ، فصاحب أى منصب يجد من يلتفون حوله
، ويهتفون باسمه ، ممن يطلق عليهم " بطانة السوء " فمثل هؤلاء هدفهم
الرئيسى أن يقدموا فروض الطاعة والولاء بطريقة مدروسة تجعل صاحب المنصب يتوهم أنهم
يحبونه ويقفون خلفه ، فيثق بهم ثقة عمياء ، وتتحول قراراته بحكم منصبه إلى قرارات
تخدم مصالحهم ، وفى طريق ذلك يدهسون بلا رحمة أو هوادة على زملائهم ، فلغة الأنا
والمصلحة الشخصية صاحبة الكلمة العليا هنا ، حتى يأتى اليوم الموعود الذى تسقط فيه
كل الأقنعة ، عندما يترك صاحب المنصب موقعه لأى سبب ، ويجلس فى مقاعد المتفرجين
يشاهد من كانوا يتكالبون حوله ويبحثون عن إرضاءه ، يلهثون خلف من سيحل محله ، ولا
مانع هنا لديهم بحكم أخلاقهم الخربة ، أن ينالوا من سمعته والإساءة إليه ، ليضعوا
اللبنة الأولى التى تساعدهم فى كسب ثقة المسئول الجديد ، أنهم يا سادة يرفعون شعار
" عاش الملك .. مات الملك " ، يحضرون عزاء كلب المسئول ، وإذا مات
المسئول فلا عزاء له عندهم.
وهذا يدفعنى للرد على أحد الأشخاص ممن يتساءل لماذا أنا أبتعد عنه وأتجنبه
خلال الفترة الأخيرة ؟ ، مع أن الإجابة على سؤاله واضحة أمامه ويعلمها علم اليقين
، ولكنه يكابر ، فكيف لى أن أثق فى شخص استغل ظروف قهرية تعرض له زميله ليشارك فى
مخطط القضاء عليه من أجل أن يتصدر هو المشهد ، وتناسى أن الله تعالى يمهل ولا يهمل
، وهناك يوم موعود لابد له أن ترد المظالم لأصحابها مهما طالت فترة هذا الظلم ،
فالله تعالى اسمه "العدل" فكيف للظلم هنا أن يستمر؟ ألم يسأل نفسه أنه خطط من أجل النيل من بعض
زملاءه بصورة وحشية مستغلاً من يساعده على ذلك ، أليس لديه عقل ليفسر سبب كراهية
معظم الناس له ، لماذا لا يتذكر أنه حاول الإساءة لبعض السيدات بتصرفاته الغريبة ،
وبالحديث عن بعضهن بصورة تشوه صورتهن ، ليظهر بصورة الدنجون دون أن يلتفت إلى
مقولة " كما تدين تدان " ، و.... و...و....و ، ولكن يبدو أن شيطان نفسه
أعمى عينيه ، وليس أمامى هنا إلا أن أدعو له بالهداية ، لعل وعسى.
وما زاد من صعوبة ما يدور حولى ، تلك الشخصية التى حاولت إغرائى بالمال من
أجل أن أسلمه أدلة تدين أحد أصحاب القرار ، وللأسف الشديد أعتقد أننى سوف أرضخ
لطلبه بسبب المال ، فالحمد لله لقد تعرضت خلال الفترة الماضية لتجربة مريرة لا
يتحملها بشر ، خرجت منها بدروس وضعتنى على الطريق الصحيح ، وأصبحت أنظر للمال بأنه
وسيلة للستر لى ولعائلتى وليست غاية ألهث وراءها تحت أى ظرف ، فأنا فى النهاية
أبحث عن المحبة والمعاملة الحسنة والإيخاء بين الجميع ، ونترك المستقبل لمدبر هذا
الكون ، ولكنى للأسف أيقنت أننى أسبح ضد تيار أمواجه عاتيه ، ومهما قاومت سيكون
مصيرى الغرق لا محالة ، الناس بالفعل فى حاجة إلى ابتلاء قوى من الله تعالى لعلهم
يفيقون مما هم فيه ، ويؤمنون بصدق أن الدنيا زائلة بحلوها ومرها مهما طال بهم العمر
، وأنهم سيصلون لا محالة للصفحة الأخيرة من " كتاب العمر "
اللهم قد بلغت اللهم فأنت الشاهد