بقلم – محمد مقلد
المشهد المأسوى الخاص بالرجل المسن الذى طرحه على الأرض جبروت مساعد سائق
الحافلة بمحافظة الدقهلية ، وما يحمله من قسوة وغلظة قلب ولا مبالاة لا مثيل لها ،
ما هو إلا صورة واقعية لأخلاق معظم البشر للأسف ، ومثل هذه المشاهد تتكرر هنا
وهناك بصور مختلفة ، والتى تعكس قمة الفساد الذى وصل إليه حال مجتمعنا الذى لفظ كل
المبادئ والتقاليد التى كانت يوماً ما تميزنا عن المجتمعات الغربية.
فالفساد الأخلاقى يا سادة هو أخطر أنواع الفساد على الإطلاق ، ومنه يولد
الظالم والحرامى والبلطجى وغيرهم ممن يأّن من وجودهم مجتمعنا ، وفى النهاية نسأل
الله تعالى أن يغير من أحوالنا للأفضل ، فليس بغريب أن يلجأ الناس إلى الله ليرفع
عنهم البلاء أو الظلم أو حتى ييسر عليهم أمور الحياة الصعبة ، ولكن الأغرب أنهم
ينتظرون استجابة من خالقهم وهم فى الأساس السبب الرئيسى فى هذا البلاء ، فإن الله
تعالى لا يغير ما بقوماً حتى يغيروا ما بأنفسهم أولاً.
كيف ينتظر هؤلاء أن ينظر الله لهم بعين العطف واللطف ويستجيب لدعواتهم وهم
فى الواقع يخادعون الله ويخادعون أنفسهم ، وحولوا فروض دينهم إلى واجهه تعكس
تدينهم المزيف ، دون أن يمس أرواحهم ووجدانهم ، فالحياة تحولت إلى مظاهر حتى فى
قضاء فروض الله ، فتجد من يواظب على الصلاة وهو يفكر كيف ينقض لسلب حقوق غيره ،
وذاك يصوم ويتفنن فى جمع المال الحرام ، وثالث يكسر حاجز من استطاع إليه
سبيلا بطريقة لا ترضى الله تعالى ، وهؤلاء
مجموعة من النساء يحافظن على أداء الصلاة فى موعدها ، وفى الوقت نفسه تجدهن
يتراقصن فى الشوارع بملابس تثير فتنة الشيطان.
" أنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق " تلك هى العبارة التى لخص فيها
رسولنا الكريم القاعدة الأساسية للتدين
بمعناه الحقيقى ، فالفروض شئ بديهى لا غنى عنه ، ولكن صفاتك الحميدة وأخلاقك
الكريمة وتمسكك بالمبادئ والتعاليم الصحيحة ، وتعاملك بالحسنى مع الآخرين هى العناوين
الواضحة لتكون إنسان مسلم يرضى عنه الله ، أهناك مصيبة أكبر من اتخاذ قطاع عريض من
المسلمين فروض الدين كستار لأعمالهم وتصرفاتهم القبيحة ؟ ويعتقدون أنهم بذلك فى
مأمن ، نعم هم فى مأمن من البشر ولكنهم تناسوا أن هناك خالق يعرف ما يدور فى
ضمائرهم الخبيثة.
وأنا لا أقصد هنا بالتدين ، بأن تتحول إلى إنسان متشدد ، تطلق لحيتك وتصدر
الفتاوى ، هذا حرام وذاك أحله الله ، أو أن ترتدى النساء النقاب ، وتتوارى عن بيئة
العمل ، فلكل عصر تقاليده وظروفه التى يجب أن يتعايش معها الإنسان ، فنحن يا سادة
نعيش الآن فى العصر الذى قال عنه نبينا الكريم ، " سيأتى على الناس زمان الصابر
فيهم على دينه كالقابض على الجمر " ، وهذا واضح للعلن فى ظل المغريات المادية
والجنسية التى تحاصر المجتمع مع وجود الانترنت وانتشار وسائل التواصل الإجتماعى ،
المتهم الرئيسى فيما وصلنا إليه من إنحدار أخلاقى وسلوكى.
وإذا كانت وسائل التواصل الإجتماعى متهم رئيسى فى انحدار القيم والأخلاق
بالمجتمع ، فالمتهم الأول هو الأسرة والبيئة التى يخرج منها الإنسان وتتشكل شخصيته
، فنحن وبلا شك فى ابتلاء كبير وضعه الله تعالى فى طريقنا ، ليرى من يستطع أن يتغلب
على مغريات الدنيا ، ولا يأخذ منها إلا المتاع الذى لا ينتقص من دينه ويجعل
الشيطان يتلاعب به كيفما يشاء ، فالشيطان لديه سلاحين يوجههم للإنسان ليخضع
لأوامره ، سلاح المال وما يندرج تحته من اللهث وراء المناصب وأكل حقوق الغير
واستحلال المال الحرام ، وسلاح الجنس لرجال ونساء تحولوا لعبيد لشهوات حيوانية
أذهبت عقولهم وقتلت إرادتهم.
نحن فى حاجة إلى ثورة حقيقة للتغيير ليست ثورة لتغيير نظام حكم أو التخلص من
وضع داخل بيئة قائمة على الظلم والقهر ، بل نحن فى أمس الحاجة لثورة أخلاق حقيقية ، تطهرنا من الداخل وتقتل
شيطان أنفسنا ، لنعود لفطرتنا التى خلقنا عليها الله تعالى قبل أن تتلوث بفعل دنيا
فانية ، تزين لنا الطريق بمغرياتها لنحتضن الشيطان ونجعله رفيق سوء لنا ، والذى
يتفنن فى جعلك تغط فى نوماً عميقاً فى عالمه الذى يقوم على الشر والرذيلة ، لذلك
تكون مكافأته كبيرة من الله تعالى من يستطع قتل هذا الشيطان وإنقاذ نفسه قبل فوات
الأوان.
اللهم قد بلغت اللهم فأنت الشاهد