google-site-verification: google954c7d63ad8cb616.html
عيون الخريف عيون الخريف
recent

أخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

إنسان مصنوع

 

إنسان مصنوع


بقلم – محمد مقلد



الإنسان يولد على فطرة الخير ، يحمل نقاء القلب والنفس ، خالى من أى شوائب تتعلق بالشر ، وتتوالى عليه مراحل الحياة من الطفولة حتى محطة الشيخوخة ، لتتشكل طباعه وأخلاقه بتأثير واضح من عائلته والبيئة التى يعيش فيها والمجتمع الذى يتعامل معه ، فهى أدوات تصنع الإنسان وترسم ملامح شخصيته من مبادئ وأخلاق وطريقة تفكير والعلاقة المتبادلة بينه وبين نفسه.

 

ولابد هنا أن نؤمن بأن الله تعالى لديه حكمه فى تشكيل طباع كل إنسان باختلاف واضح ما بين شخص وآخر ، ويتركه لتجارب وتقلبات الحياة ، ويضعه تحت اختبارات وابتلاءات مرهقة ، تحتاج لطبيعة خاصة وانفعال نفسى محدد لتجاوزها ، حتى يتم الحكم عليه حكماً دقيقاً ، لاسيما فيما يتعلق بقدرته على التواصل مع الله تعالى والإيمان بالقضاء والقدر ، وأن كل شئ يتعرض له كتبه الله تعالى له ، ويجب أن يؤمن به ويخضع له ، حتى يتجاوز كافة الابتلاءات ، ولا يسمح لنفسه أن تسقط فى شباك الخطأ التى ينصبها له الشيطان.

 

ومع أن الإنسان يولد على فطرة الخير ، إلا أن معظم البشر يخلعون عباءة تلك الفطرة ويرتدون جلباب الشر وما يحمله من صفات ذميمة ، يساعد فى تنميتها وترسيخها بأعماقه ، انبهاره بالدنيا ومتاعها من مال ومناصب وحب الشهوات والشعور بالأنا والكبرياء والغرور.. ألخ  ، فيجد نفسه مكبل بصفات اختارها لنفسه من كذب ونفاق ونميمة وغيبة وحقد وحسد وخلافه ، والاعتقاد هنا لدى تلك النوعية من البشر، أنهم ولدوا من أجل حياة دائمة ، رافضون تماماً لحقيقة أنهم ولدوا من أجل أن يموتوا فى النهاية ، بعدما يتجاوزوا اختبار الدنيا ، ويأتى وقت الحساب وفقاً للدرجات التى حصلوا عليها فى هذا الاختبار الصعب.

 

وللحقيقة وحتى أكون منصفاً ، هناك قلة قليلة من البشر ممن سقطوا  فى فخ الشر ، ينعم الله تعالى عليهم ، ويستيقظون من غفلتهم ، ويعودوا سريعاً لفطرة الخير التى ولدوا عليها ، وهنا يقبل الله تعالى توبتهم ، ولكن من أغرتهم الدنيا وسيطرت عليهم بشكل محكم ، فمن المستحيل أن يتخلصوا من عباءة الشر لأنهم أنفسهم من يتشبثوا بها ويرفضون خلعها والتخلص منها ، فهم مستمتعون بما تمنحه لهم الدنيا من مغريات وشهوات ومتاع ، أعمى عيونهم ، وأصم آذانهم ، وأخرس ألسنتهم.

 

ويظهر بشكل واضح مدى تحكم الدنيا وملذاتها فى معظم البشر ، من مشاهد لهث فريق منهم خلف المال بصورة مخيفة وكأنهم تحولوا لعبيد أمامه ، والأهم لديهم هو جمع المال وبأى وسيلة دون النظر إلى طريقة جمعه من حلال أوحرام ، فمثل هؤلاء يحللون ما حرمه الله تعالى ، وربما يحرمون الحلال للوصول لهدفهم من التكويش لتكوين ثروات تساعدهم على الرقص مع الشيطان على أنغام ملذات الدنيا وشهواتها.

 

وهناك فريق تحول لعبد ذليل للمناصب ، وهؤلاء يشعرون أن وجودهم ودنيتهم وحياتهم تتعلق بتلك المناصب ، فيتحولوا إلى مرضى نفسيين ، إبعادهم عن المنصب بمثابة انتزاع الروح من أجسادهم ، يتشبثون بها بصورة مفزعة ، تدفعهم لفعل أى شئ لا يرضى الله تعالى من أجل الاحتفاظ بمنصبهم ، وإرضاء لشيطان أنفسهم الخربة ، وأقسم لكم أننى أعرف بعض أصحاب المناصب بمجرد أن وصلوا لسن التقاعد بعضهم لم يتحمل وفارق الحياة ، والبعض الآخر أصيب بالشلل ، بل وصل عدد منهم إلى الخلل العقلى ، فوجدوا  أنفسهم يستكملون ما تبقى من أعمارهم نزلاء داخل مستشفى الأمراض العقلية.

 

تخيل سيدى القارئ ، أن بعض أصحاب المناصب القيادية كلما اقتربوا من بلوغ سن التقاعد ، يحاولون بكل قوة إلى تخريب المكان الذى يعملون به ، وهو بلا شك مرض نفسى يصيبهم ، فمثل هؤلاء لم يخطر على عقولهم أنه سيأتى اليوم الذى ينتهى فيه نفوذهم وسطوتهم ، فيستكثروا على غيرهم أن يخلفهم فى المنصب ، لذلك تجد فى  أعماقهم أمنية أن يتحول المكان أو المؤسسة التى يعملوا بها لأطلال ، وتناسى هؤلاء أن المناصب لا تدوم لأحد ، فلو كانت دامت لغيرك ما وصلت أليك ، فعباءة الشر استحكمت منهم والتصقت بأجسادهم ، وخلعها عنهم يعد بمثابة انتزاع الروح منهم ، ولو كان هناك ذرة إيمان واحدة فى نفوس هؤلاء بالله تعالى ، ما كانوا وصلوا لتلك الحالة المزرية.

 

الشر يا سادة أصبح يتصدر المشهد ، ولما لا وهناك أشخاص وضعوا فطرة الخير تحت أقدامهم ودهسوها بلا رحمة ، وتحولوا لأشخاص مصنوعين على يد أمهر الشياطين ، لتأخذهم الحياة فى طريقها وتزينه لهم ، وتوهمهم أنها ستظل معهم إلى ما لا نهاية ، حتى تصدمهم الحقيقة والواقع عندما تتخلى عنهم ، ويجدون أنفسهم فجأة أمام واقع انتهاء دورهم ، وأنهم أصبحوا على بعد خطوات من الوقوف أمام رب يوسف ليكون الحساب ، وهنا سيكون الوقت مضى ولن ينفع أو يجدى البكاء على اللبن المسكوب.

 


اللهم قد بلغت اللهم فأنت الشاهد    

   

 

 

عن الكاتب

عيون الخريف

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

عيون الخريف