بقلم – محمد مقلد
ما أصعبه من صراع ذاك الذى يضعك ما بين مطرقة الضمير الذى يؤنبك وسندان
الواجب المنوط بك القيام به ، فخلال الأيام الثلاث الماضية دخلت بالفعل فى هذا
الصراع القاتل ، وأصبحت بين أمرين كلاهما بالفعل مرّ ، فتحت يد " الموقع
" عدد من قضايا الفساد المادى
والأخلاقى ، نشرها سيكون نتيجته كارثية على أصحابها ، وإذا آثرت الصمت ، تطاردنى
عبارة " الساكت عن الحق شيطاناً أخرس " ، ولجأت لكل السبل لعلى أجد مخرج
من تلك الأزمة ، من بينها أننى عرضت الأمر على زوجتى لما لها من عقل راجح دائماً
وأبداً ألجأ إليها فى مثل هذه الأمور وفى الغالب رأيها يحمل الصواب.
ولجأت لأحد زملائى العاملين بمهنة الصحافة لعل وعسى أجد لديه المخرج ، وفى
النهاية لم أصل لحل يرضينى وينهى هذا الصراع ، ووسط تلك الأحداث ، تلقيت خبر القبض
على أحد المسئولين ممن تناولهم الموقع ، وسواء كنا نحن السبب فيما وقع له من عدمه
، فقد اتهمنا البعض بأننا وراء القبض عليه ، وهو أمر لا ينتقص منا ، لأنه فى
النهاية فاسد ولابد من عقابه.
وهذا ما دفعنى لأعود بالذكريات إلى
القضية التى فجرتها منذ سنوات مضت ، والتى تخص أحد كبار المسئولين ، وعقب يومين
فقط من نشر قضيته تم إلقاء القبض عليه من
قبل هيئة الرقابة الإدارية وتوفى فى السجن
، وانصبت كل الاتهامات تجاهى بأننى السبب فيما
حدث له ، بل وموته أيضاً ، مع أن الرقابة الإدارية تضع خطتها لأى مسئول فاسد قبل
إلقاء القبض عليه بفترة طويلة ربما تصل لأكثر من ثلاثة أشهر ، كما تذكرت قضية
الفساد التى كشفتها بأحد الأحياء وتم إلقاء القبض على المسئول عنها و الحكم عليه
بالسجن لمدة ثلاث سنوات ، ووقتها قضيت أيام صعبة للغاية لم أرى فيها النوم ، وظل
ضميرى يؤنبنى لفترة طويلة ، رغم محاولات بعض المقربين منى للتهدأة من روعى ،
ومحاولة اقناعى أنه فاسد وهذا هو جزاءه ، ولا ذنب لى فيما حدث له.
وبسبب تلك الأحداث اتخذنا قراراً بموقع " عيون الخريف " أن جميع
قضايا الفساد المادية والأخلاقية يتم معالجتها بطريقة مخفية دون ذكر أسماء أو نشر
أى أدلة ، بل نحاول قدر المستطاع أن نلقى الضوء بشكل غير واضح على تلك القضايا ، بحثاً
عن تحقيق المرجو بتعديل الأوضاع دون التشهير أو فضح أى شخص بشكل مباشر ، ودون أن
يتعرضوا لأذى يدمر مستقبلهم أو يزج بهم خلف أسوار السجن للحفاظ على استقرار أسرهم
، رغم أن هناك من كان يلومنا على هذا النهج بدعوة أن مثل هؤلاء لما يراعوا أنفسهم
وذويهم فى تصرفاتهم الفاسدة ، حتى نراعيهم نحن.
وبين قضايا الفساد ، هناك قضية واحدة ربما تكون السبب الرئيسى في الصراع
الذى أتعرض له ، فحتى أيام قليلة تنهال الأدلة والمستندات التى تزيد من تورط
أبطالها فى الفساد بجميع أنواعه ، وأقسم برب يوسف أن تلك الأدلة تصل لباب منزلى
دون أى عناء منى ، حتى تعددت الدلائل ما بين مرأية ومسموعة ومقروءة ، كوارث بما
تحمله تلك الكلمة من معنى ، ستأخذ بعضهم فى حالة كشفها إلى طريق اللاعودة ، أدلة
هم أنفسهم ستصيبهم الصدمة حول كيفية وصولها لإدارة الموقع.
الأصعب فى هذا الأمر أن أبطال تلك القضية تعرضوا لى بالأذى سواء المباشر أو
حتى المعنوى ، ورغم أننى حصلت على حقى منهم ، فبعون الله لا أحد على وجه الأرض يستطع
أن يسلبنى حقوقى ، و تعودت على الانتصار فى كل معاركى ، ولكن كان هناك شئ ما
بداخلى ، يحاول أن يقنعنى أن هذا لا يكفى ويجب تدميرهم بشكل كامل ، ولكنى والحمد
لله تعالى خلال الفترة الأخيرة تغيرت شخصيتى بشكل واضح بعدما اكتشفت ذاتى ، وأيقنت
بفضل الله أن هؤلاء وغيرهم لا قيمة لهم ،
وأن كل الأمور المادية والدنيوية التى تحيط بنا هراء لا جدوى منها ، وأن هناك ما
هو أهم وأسمى من الانتقام من بعض الشياطين ، واتخذت القرار بأن أتركهم لله ، فهو
تعالى يمهل ولا يهمل.
ولكن خلال الأيام الأخيرة ومع تكالب الأدلة التى تكشف مدى الفضائح
المتورطين فيها ، بدأ الصراع يفرض قضيتهم مرة أخرى ، فمنهم اللص ومنهم فاسد أخلاقياً وسلوكياً ومنهم
وصل لموقعه بالتزوير ، ومنهم من تفنن فى تزوير الأوراق بطريقة عشوائية ، ففسادهم
تنوع ما بين المالى والأخلاقى والإدارى ، وربى وحده يعلم أن كل كلمة أكتبها فى تلك
القضية تحت يد الموقع أكثر من دليل قوى على إثباتها.
عموماً بدأت تطاردنى عبارة " الساكت عن الحق شيطاناً أخرس " وفى
نفس الوقت يعترضها ضميرى الذى يطالبنى بالتروى وعدم الاندفاع حتى لا أعيش تحت وطأة
تأنيبه ، ومن هنا احتدم الصراع وأصبحت عاجز عن اتخاذ القرار الصحيح ، حتى جاءت
منقذتى ، وسندى عند الشدة ، أنها قرة عينى وروحى التى فقدتها بعد موتها ، أنها أمى
التى أخذت معها كل شيئاً جميل ، فهى دائماً ما تأتى فى الوقت المناسب وكأن روحها
مرسلة من قبل الله تعالى لترشدنى للطريق القويم.
هون عليك يا ولدى ، لقد فعلت كل ما فى وسعك ، أين الطيبة التى زرعتها بداخلك ؟
لقد قمت بدورك على أكمل وجه وحصلت على ما تريد وعاد لك حقك ، لا تجعل الانتقام يضع الغشاوة
على عينيك ، أنا لا أريد لأبنى أن يكون سبباً فى أذية أى شخص ، كما لا أريد لأحد
أن يؤذيه ، أعرف أنك تخشى أن يسألك الله عن التستر على هذا الفساد ، وتخشى من
عقابه ، ولكن أعلم أنك لم تقصر وفعلت ما فى وسعك ، ودع الأمور على الله ، لا تكن
أنت سبباً مباشراً فى أذيتهم ، سامحهم يا ولدى ، وأتركهم للذى يمهل ولا يهمل
، ألقى كل هذا خلف ظهرك ، وتفرغ لحياتك
الجديدة التى اختارها الله تعالى لك ، فما أجملها من حياة ، لا تدع الشيطان يسيطر
عليك ويأخذك لطريق لا ينفعك فى شئ.
كانت كلماتها سريعة ورسالة واضحة ، أنهت الصراع ، وأراحت عقلى وقلبى ، وكما
كانت خفيفة فى زيارتها لى ، انصرفت دون حتى أن أودعها ، رحمة الله عليك يا أمى ،
وسلاماً على روحك الطاهرة حتى نلتقى.
