اتفاقية إبراهام في خطر ومشروع الكيان الإقليمي ينهار
الحكومة
والمسئولون سواء الحاليين أو السابقين بدولة إسرائيل ، أصابهم التخبط الواضح والمخاوف ، عقب
إعلان الاتفاق الذى دخل لحيز التنفيذ بإنهاء الخلافات السعودية الإيرانية ، وبدأت
الاتهامات توجه بشكل واضح لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بأن سياستها الخارجية
، أصبحت تهدد مستقبل الكيان الصهيونى ، وسط مخاوف من ردة فعل هذه الحكومة على
الشعب الفلسطينى ، ولاسيما بمنطقة الضفة الغربية ، للرد على تلك الاتفاقية.
فالصراع
المحتدم بين الدب الروسى والولايات المتحدة الأمريكية ، يبدو أنه سيزداد اشتعالاً
خلال الفترة القادمة بمنطقة الخليج العربي ، في ظل التطورات والأحداث الأخيرة التى
وقعت بالمنطقة في الفترة الأخيرة ، وأطلق شرارتها ذلك الاتفاق لعودة العلاقات
الدبلوماسية بين السعودية وإيران ، بعد عدة سنوات عجاف بين الطرفين وصلت إلى ما يزيد
على 7 سنوات كاملة ، وبدت تشعر الولايات المتحدة الأمريكية ، أن هذا الاتفاق من
شأنه التقليص من نفوذها بمنطقة الشرق الأوسط ، التى كانت تهيمن عليه لسنوات عديدة
، ويؤكد هذا المنظور التعليق المقتضب من الرئيس الأمريكى بايدن في تعليقه على عودة
العلاقات الإيرانية السعودية ، بأن الولايات المتحدة مع أى قرار يكون من شأنه نشر
السلام في أى منطقة بالعالم ، دون أن يعلق بشكل مباشر على عودة العلاقات.
التقارب السعودى الإيرانى يهدم المخطط الأمريكى الإسرائيلى
التقارب
السعودى الإيرانى ، من شأنه أن ينال من مخطط الولايات المتحدة وابنها المدلل
إسرائيل ، في منطقة الخليج العربى ، والذى
كان يمهد لتكوين كتلة إقليمية متكاملة
تتحول لجبهة ضد دولة إيران بالمنطقة ، بهدف تقليص الدور الإيرانى ، لمنح الفرصة
لإسرائيل لتبسط نفوذها أكثر وأكثر على الأراضي الفلسطينية ، ولاسيما بالضفة الغربية
، واتفاقية إبراهام التى عقدتها إسرائيل مع عدد من الدول العربية والمتمثلة في المغرب
والإمارات والبحرين والسودان ، برعاية الولايات المتحدة ، تعتبر حجر الأساس للمخطط
الأمريكى الإسرائيلى ، لتشديد الخناق على إيران ، ويضاف له بالطبع اتفاقيات السلام
التى وقعت بين إسرائيل وعدد آخر من الدول العربية بالمنطقة ومن بينها الأردن ،
التى وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل خلال عام 1994.
![]() |
بايدن |
وكانت
الولايات المتحدة تهدف من وراء توطيد تلك العلاقات العربية الإسرائيلية ، أن تحصل
على قرارات رفض واضحة من دول المنطقة العربية ، للحرب الروسية على أوكرانيا ، ولكن
جاءت الرياح عكس ما كانت تخطط له أمريكا ، وظلت معظم الدول بالمنطقة على موقفها
بالنسبة لتلك الحرب ، من هنا شعرت الولايات المتحدة ، أن جهودها في اتفاقية
إبراهام ذهب أدراج الرياح ، بعدما كشفت الأيام ، أن الدول العربية التى وقعت عليها ،
كانت تنظر لتحقيق هدف سياسى معين من وراء الاتفاق ، دون النظر إلى توطيد العلاقات
بشكل واضح مع الجانب الإسرائيلى.
وهذا
ما كشف عنه بشكل واضح وصريح ، ضابط المخابرات الأمريكى المتقاعد " بول بيلار
" من خلال مقال نشر له بمجلة " ناشونال انترست " في مارس عام 2022
، والذى أكد من خلاله ، أن اتفاقيات السلام ، التى وقعتها الدول العربية مع
إسرائيل بمساعدة أمريكية ، تمت من باب المصلحة العربية فقط ، فالإمارات مثلاً حسب
كلامه ، وقعت على الاتفاقية بعدما وافقت الولايات المتحدة على منحها طائرات حربية
من طراز " أف – 35 " ، بينما المغرب وافقت على عقد الاتفاق ، بعدما وافقت
أمريكا على الاعتراف بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء الغربية ، ويأتى ذلك في الوقت
الذى تجاهلت اتفاقيات السلام أى تحرك يذكر أو تعليق على حل القضية الفلسطينية
، مما منح الضوء الأخضر لدولة إسرائيل ، لتقليص التواجد الفلسطينى بالضفة الغربية
، وتشديد الخناق على الشعب الفلسطينى.
مخاوف إسرئيلية والتحركات المتوقعة بالضفة
بما
لايدع جالاً للشك ، فإن إسرائيل هى المتضرر الأول لهذا الوئام الذى عاد بين
السعودية وإيران ، وبدت الحكومة الإسرائيلية التى يسطر عليها اليمين المتطرف
بقيادة بينامين نتنياهو في موقف لاتحسد عليه ، لاسيما بعدما تقلصت شعبيتها بين
الإسرائيليين أنفسهم ، عقب القوانين التى صدرت مؤخراً بتقليص دور القضاء ، من هنا
فوجئنا بمسئولين إسرائيليين ، يخرجون بتصريحات من شأنها التقليل من هذا الاتفاق
السعودى الإيرانى ، وبعدهم راهن على أن الموقف الصارم من الدول الأوربية تجاه إيران
، والعقوبات المفروضة عليها ، بسبب قضية السلاح النووى ، سيقلل من قوة العلاقة بين
السعودية وإيران ، حتى بعد الاتفاق بينهما ، والبعض الآخر منهم ، أكد أن إيران لن
تلتزم باتفاقها مع السعودية ، ولاسيما فيما يخص قضية اليمن والحوثيين
![]() |
نيتنياهو |
وعلى
النقيض تماماً من تلك الآراء ، خرجت المعارضة الإسرائيلية ، لتصف هذا الاتفاق
السعودى الإيرانى ، بالكارثة الحقيقة على دولة إسرائيل ، ويجهض أى مخطط لمستقبل
إسرائيل بالمنطقة ، بل ويهدد استقرارها وأمنها بالمنطقة بالكامل ، الأمر الذى دفع
" يائير لبيد " زعيم المعاضة الإسرائيلية ، لأن يصف هذا الاتفاق بأنه
فشل ذريع وخطير للسياسة الخارجية الإسرائيلية ، بينما يرى الباحث الأمريكى "
جوزيف استن " في مقال نشر له إبريل الماضى بمجلة " بيوزويك " أن اتفاقية إبراهام نفسها لن تحقق الهدف منها ،
خاصةً وأن الدول التى وقعت عليها اعتقدت بالخطأ أن التقارب مع الولايات المتحدة
وكسب تعاطفها وتأييدها ، لا يمر إلا عن طريق بوابة إسرائيل ، كما أن التقدم الروسى
الصينى بمنطقة الخليج العربى ، سيؤدى في النهاية إلى مخاوف هذه الدول على مصالحها في
المستقبل ، وربما يدفعها لتغيير سياستها بشكل كامل .
ويأتى
ذلك في الوقت الذى أكد فيه عضو الكنيست الإسرائيلى اليمينى المتطرف ، "
بتسلئيل سموتريتش " بأن هذا التحالف بين السعودية وإيران ، يعد تطور خطير
بالنسبة لإسرائيل ، وانتصار لدولة إيران ، ووصفه بأنه ضربة قاضية لجهود دولة
إسرائيل خلال السنوات الماضية ، لبناء تحالف إقليمي قوى ضد إيران.
المحاولات
الإسرائيلية لتوطيد علاقاتها بالدول العربية ولاسيما بالخليج العربى ، كانت قائمة على
محورين هامين ، محور تقليص الدور الإيرانى
بالمنطقة وتشديد الخناق عليها ، والمحور
الثانى والأهم ، أن تحيد تلك الدول في مخططها لضم الضفة الغربية بشكل كامل تحت
السيطرة الإسرائيلية ، وإلغاء المناطق الثلاث وتصبح الضفة بالكامل تابعة للسيادة
الإسرائيلية ، ولا تعتمد فقط على الاستيطان ، وطرد كل الفلسطينيين المتواجدين
بالضفة خارجها ، وهو المخطط الذى تهدف إسرائيل لتفيذه منذ عقود من الزمن ، والتى
وضعت بذرته الأولى بتضييق الخناق على الفلسطينيين المقيمين بالضفة ، بتطبيق
القوانين العسكرية عليهم ، وتقليص حجم الخدمات المقدمة لهم ، حتى الاحتياجات
الرئيسية من مياه وكهرباء وخلافه تتحكم فيه بشكل كبير ، بجانب التوغل الواضح في عملية
الاستيطان .
ويعكس
تصرفات الحكومة الإسرائيلية بمنطقة الضفة الغربية ، النتيجة الحقيقة لكل العهود والاتفاقيات
والمعاهدات السابقة ، التى كانت تقضى بدولة فلسطينية ، لها السيادة الكاملة على
أرضها ، وهى النتيجة التى تؤكد فشل كل هذه الاتفاقيات وعلى رأسها بالطبع اتفاق
" أوسلوا " ، وترى الحكومة الإسرائيلية ، أن عودة العلاقات الإيرانية
السعودية ، من شأنها عرقلة هدفها في ضم الضفة الغربية ، وبدت المخاوف تسيطر عليها
بشكل كبير بمجرد الإعلان عن الاتفاقية ، الأمر الذى توقع معه المحللون والمراقبون
، أن الفلسطينيين سواء بالضفة الغربية أو حتى قطاع غزة ، ربما يدفعون مستقبلاً ثمن
هذا الاتفاق ، حيث توقعوا بأن الحكومة الإسرائيلية ستحاول خلال الفترة المقبلة ،
زيادة عدد المستوطنات ، وتشديد الخناق على الفلسطينيين المقيمين بالضفة بشكل أقوى
مما سبق ، وتوجيه ضربات عسكرية تجاه غزة
وأرجع
المراقبون ، أن إسرائيل بتلك التصرفات تتطلع إلى جس نبض الدول العربية
وخاصةً بمنطقة الخليج ، وموقفهم من توغلها بالضفة ، سواء كانوا ممن وقعوا معها
اتفاقيات سلام من عدمه ، وإعلان أمام العالم بأن اتفاق السعودية وإيران ، لن
يجعلها تحيد عن الهدف المخطط له بضم الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية ،
بجانب الظهور أمام العالم بأن هذا الاتفاق لم يؤثر عليها ولم تعيره أى اهتمام ، وربما حسب المحللون ، تطلق أمريكا نفسها يد
إسرائيل في فلسطين ، في محاولة للتشويش على هذا الاتفاق السعودى الإيرانى ، والذى ربما يهدد فرص الرئيس بايدن نفسه في انتخابات الرئاسة
الأمريكية العام المقبل ، والأيام القليلة القادمة كفيلة بأن تكشف عن نوايا
إسرائيل ، ومدى تأثرها بالاتفاق السعودى الإيرانى.
تقرير - محمد مقلد