google-site-verification: google954c7d63ad8cb616.html
عيون الخريف عيون الخريف
recent

أخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الصورة مقلوبة

 



بقلم – محمد مقلد

 

الإنسان يعيش فى صراع لا ينتهى ، صراع مع نفسه والبيئة المحيطة به ، صراع يولد بداخله مع بداية إدراكه وتخطيه لمرحلة الطفولة ، فينضج عقله بشكل أكبر مع دخوله لمرحلة المراهقة والشباب ، فيسيطر عليه الخوف من المستقبل ، وتبدأ تتشكل شخصيته بفعل التجارب التى يخوضها فى سبيل الوصول لهدفه ، ورسم ملامح مستقبله ، ويمضى قطار العمر سريعاً من محطة لأخرى دون عودة ، وفجأة وبدون سابق إنذار يجد نفسه على بعد خطوات من ختام رحلته ، فيستيقظ من غفلته على كابوس مزعج ،  ليسأل نفسه ، أين ذهب عمرى ؟ ، وفيما أفنيت تلك السنوات التى مضت سريعة دون أن أشعر بها ؟

 

وعندما تتراكم تلك الأسئلة على ذهنه ، يشعر وكأنه تائه لا يعرف ماذا يفعل ، حتى يقف أمام المرآة ، فلا يستطع أن يشاهد نفسه بوضوح ، فالصورة مقلوبة أمامه ، ليس لها ملامح محددة ، فصورته الحقيقية التى ولد بها تغيرت ملامحها ، وأنطفأ بريقها ، وضاعت براءتها وسط الصراع الذى أنهكه ونال من طاقته بلهثه الدائم وراء المادة ومتاع الدنيا الزائل ، ويحاول بقدر الإمكان أن يعدل من وضع الصورة ، ولكن هيهات فكيف له ذلك بعدما تشوهت ملامحها بأخلاق مشينة من كدب ونفاق ورياء ونميمة والابتعاد عن صحيح الدين.

 

نعم صورنا جميعاً إذا نظرنا للمرآة سنجدها مقلوبة ، وتلك صدمة حقيقة لمن يشعر بمدى الفاجعة التى وصل إليها ، وللأسف الشديد ، السواد الأعظم منا يهرب سريعاً من أمام المرآة خوفاً من مواجهة ضميره ، وحديث قاسى ينتظره ، ليحاسبه على كل أفعاله ، فأمثال هؤلاء لديهم عهد مع الشيطان بألا يستيقظوا من غفلتهم أبداً ، ويظل طريقهم للاستمتاع بالدنيا ومباهجها ومظاهرها الوهمية مفتوح على مصرعيه ، ولكن البعض لديهم من القوة ما يدفعهم للاستماع لتوبيخ وحصار ضمائرهم لهم ، ليعترفوا بأنهم بالفعل سقطوا فى بحر الخطأ وداسوا على كل القيم والمبادئ والأخلاق الحميدة فى سبيل المتعة الزائلة.

 

أنهم يا سادة من حباهم الله تعالى واصطفاهم للعودة للطريق القويم ، ويكون البكاء بحرقة سبيلهم لتنظيف أنفسهم وتطهيرها من الموبقات والتصرفات المشينة ، ومهما كانت خطاياهم يقبل الغفور الرحيم توبتهم ، فيعودوا لأنفسهم النقية ، والتدين الوسطى ، بعيداً عن التشدد ، فالله تعالى خلق الدنيا لتستمع بها فى حدود لا تجعلك تغفل أنه من وهب لك هذه الدنيا لتشكره وتحمده على ما فيها من نعم ، وترضى بما قسمه لك ، ولا تنجرف وراء الشيطان لتأخذ حق ليس من حقك ، أو تسلك طريق نهى عنه سبحانه وتعالى ، فالدين فى النهاية سلوك ومعاملة قبل الحدود المفروضة علينا كمسلمين.

 

وبعد أن يتطهر هؤلاء من دنس الشيطان ، يعودوا مرة أخرى لينظروا لأنفسهم فى المرآة ، فيجدوا صورهم بوضوح فى وضعها الطبيعى ، فتكون الابتسامة البريئة والملامح الهادئة طاغية عليها ، وربما ينتاب بعضهم البكاء ، ولكن هذه المرة بكاء الفرح والسعادة لما وصلوا إليه من تطهير لأرواحهم وأنفسهم ، وإلقاء خلف ظهورهم ماضى مؤلم جعل تصنيفهم من أشرار الناس وسط بيئتهم ومجتمعهم ، بالفعل أنت فى كارثة عندما تترك نفسك تحت رحمة الطريق الذى يغضب الله تعالى ، ولكن الكارثة الأكبر أن تصر على المضى قدماً فى هذا الطريق حتى ينتهى دورك فى هذه الدنيا.

 

أنظر حولك سيدى القارئ ستجد نفسك تعيش وسط غابة ، أسود السلطة والمال يفتحوا أفواههم على مصرعيها دوماً يطلبون المزيد ، وثعالب تنظف أسنان الأسود لتنال نصيبها ،  وذئاب تتربص لتنهش بقايا ما يلفظه الأسود ، وكلاب تراقب الذئاب ولكن بحذر ، وقرود تتراقص حولهم ليرضى عنهم الأسود ، ونعام آثر أن يضع رأسه فى الرمال لا يبالى بما يحدث حوله ، وطيور تحلق فى السماء بضحكات ساخرة على ما يدور تحت أنظارهم  ، ولكل منهم دوره داخل أسوار تلك الغابة التى أصبح قانونها لا يخدم إلا من ارتضى بدوره فقط دون التطلع إلى المزيد.


 

وللحديث بقية إذا كان فى العمر بقية   

عن الكاتب

عيون الخريف

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

عيون الخريف