بقلم – محمد مقلد
أهل الشر يسيطر عليهم الشيطان سيطرة كاملة ويعصب أعينهم بغمامة سوداء تعمى
قلوبهم ويوحى لهم بتحقيق انتصارات وهمية انتصارات لا يشعر بها غيرهم ، وأن طريقهم
سالك لا تعيقه مطبات ، ويوهمون أنفسهم بأنهم الأقوى وصوتهم الأعلى ، وتناسى هؤلاء
أن طريق الشيطان مهما قطعت فيه من مسافات طويلة ، فلابد أن تعترضهم قدرة الله
تعالى ، ووقتها لن تجدى التوسلات ولا التوبة ولا حتى أدوار ترجيدية المظلومين.
سيقف الحق يوماً يستمتع بهم وهم يسقطون الواحد تلو الآخر فى بئر سحيق ليأتى
بهم أمام يوم الحساب سواء فى الدنيا أو عندما يقفوا جميعاً فى اليوم الموعود أمام
خالق هذا الكون ، فالشيطان يا سادة يضع خريطته ليلتزمو بها ، خريطة ترسم لهم حدود
دولة الحرام والتى يجاورها دولة الرذيلة بكافة أنواعها ، ويتوسط تلك الدول علامة
" X " والتى معناها الخطأ ، ولكن
هؤلاء المفسدون يوهمون أنفسهم أن معناها هو الصح بل الصح ذاته.
الصفات البشرية خلال السنوات الأخيرة تحولت بصورة مخيفة ، لتعكس لنا مدى ما
وصلنا إليه من انحطاط أخلاقى وسلوكى ينحدر بالمجتمع لأدنى درجاته ، ولما لا بعدما
تلاشى بصورة واضحة ما يعرف بـ " المبدأ " فمعظم البشر سيطرت عليهم النفس
البشرية فاقتنعوا أنه ليس هناك شئ اسمه " مبدأ واحد " لابد أن يلتزموا
به ويحافظون عليه ، فالمبدأ لابد أن يتجزأ لدى هؤلاء ، ممن تركوا أنفسهم ضحية لـ
" الأنا " فالأهم هنا المصلحة الشخصية وفقط ، دون النظر إلى المصلحة العامة
التى تخدم المجتمع بجميع أفراده.
فلا فرق هنا بين المبدأ المتجزأ وما يعرف بالتلون وارتداء أقنعة متعددة
تحقق المصلحة الشخصية ، وفى سبيل ذلك تتلاشى كل القيم والأخلاق ، ونخرج بوعى كامل
وبمحض إرادتنا من عباءة الحفاظ على تديننا إلى طريق آخر زينه لنا الشيطان ، طريق
على جانبيه لافتات معلقة مدون عليها عبارة " X ليست علامة معناها الخطأ
" ، والغريب أن معظم من يسلك هذا الطريق يقنع نفسه بالفعل بأن تلك العبارة
صحيحة ولا يشوبها أى شائبة ، لأنه مقتنع وبكامل إرادته أنها تحقق له نظرية "
الأنا " التى تسيطر عليه.
أعرف أن بعض القراء الأعزاء ربما يشعرون بالغموض وعدم فهم ما أقصده فى
السطور السابقة ، وهذا ليس بالأمر الغريب فى ظل ما شاهدته أمام عينى من طباع
وأخلاق بشرية جعلتنى بالفعل عاجز عن تحديد ماهية هذا المجتمع الذى يتحكم فيه هؤلاء
الأشخاص ، الذين أهموا أنفسهم أن الدنيا لا تحمل لهم إلا اللون الأبيض فقط ، لذلك
تكون صدمتهم أكبر أذا أظهرت لهم وجهها الأسود ، ورحم الله الممثل القدير "
على الشريف " والذى وصف الدنيا ببساطته فى جملة واحدة بفيلم الفنان الكبير
عادل أمام " الإنسان يعيش مرة واحدة " عندما قال " الدنيا يا ولدى ليها وشين أبيض وأسود ، لما تكون بيضا قدامك أفتكر الأسود عشان تسلم ،
ولما تبقه سودا أفتكر الأبيض عشان تقدر تعيش لبكرة "
فعندما تعرضت فى الفترة الأخيرة لبعض الظروف الخارجة عن إرادتى ، بدأت بالفعل أتذكر مقولة
هذا الممثل القدير لاسيما وأنا والحمد لله شخص قوى بطبعى ، لا أهتز ولا أخشى إلا
الله تعالى ، فتذكرت الوجه الأبيض للدنيا
، فزاد يقينى وإيمانى بالله بأن الوجه الأسود لابد أن يختفى فى وقتاً ما ، لتعود
الدنيا أمامى بوجهها الأبيض ، بينما من يكنون بداخلهم الحقد والغل وينتظرون سقوطى
كنوع من الغيرة أو افساح المجال لأنفسهم تمسكوا بالوجه الأبيض فقط ، واعتقدوا أن
الأمر انتهى عند هذا الحد ، فخرج بعضهم لينال منى ليقدم فروض الطاعة لأولى الأمر ،
ووصلت الأمور لأحدهم أن يكشف عن نواياه الحقيقة بكلمة " ولسة " وما من
مكان يذهب إليه إلا وتسبقه تلك الكلمة ليؤكد أننى بدأت مرحلة السقوط دون رجعة.
اليقين بقدرة الله تعالى ، وأنه وحده مدبر كل الأمور ، سلاحى الذى اعتمدت
عليه ، مع يقينى الكامل بأن علامة " X " ليس لها معنى إلا الخطأ
، وأن الدنيا متقلبة ولها وجهين ، فعندما وصلت للنتيجة المرضية وتحقق ما كنت أصبو
أليه لتحقيق العدل ، حاول البعض أن يفخم من الأمر وأننى فعلت شئ خارق ، وهو أمر
أنا لا أقبله على الإطلاق ، فأنا فى النهاية عبد من عباد الله لا قيمة له أمام
قدرة الله ، وكل ما يمر بحياتنا لا يكن إلا بمشيئتة وحده وما نحن إلا أسباب لا
أكثر من ذلك.
أما هؤلاء ممن وضعوا للدنيا وجهها الأبيض فقط ، بدأوا يتلونون ويظهروا
بطباعهم الحقيقة من كذب ونفاق وحب الأنا وخلافه من صفات ذميمة ، فمن كان يحاول أن
ينال منى ويقلل من شأنى ، كانوا أول من قابلونى بالأحضان بابتسامات صفراء تعكس ما
خلفها من حقد دفين ، وهم يرددون كذباً ورياءً
" أيوه كده يا بطل ، الحق عاد لأصحابه " وأنا اكتفى بالنطر إليهم
وبدون أى تعليق منى ، فأين هى الكلمات التى تعبر عن تصرفهم هذا ؟
وظهرت جميع الوجوه على حقيقتها ، واتضح بصورة واضحة أننى كنت على حق فى كل
شئ ، وكل ما حذرت منه طفا على سطح الأحداث ، فهناك من رفع شعار " نفسى نفسى
" وقفز من السفينة عندما شعر بأنها على شفا الغرق مع أنه للأسف الشديد السبب
الرئيسى فى صنع ثقب كبير بالسفينة وعرضها للغرق ، حتى من حاول أن يرتدى ثوب
الرجولة لبعض الوقت ، وأخذ يردد كلمة " ولسة " أصيب بحالة من الرعب ،
وأخذ ينقل مخاوفه للبعض من ردة فعلى تجاهه
ولكنه لا يعلم أننى نسيت كل ما فعله وكأنه لم يقل شيئاً من الأساس ، وأغلقت صفحته
نهائياً.
ففى النهاية كلها ابتلاءات من الله تعالى ، ولكن هذا الابتلاء كشف ما يمر
به المجتمع بالكامل من انحدار غير مسبوق ، دفعنى أفكر بجدية أنا أبحث عن طريق
يبعدنى عن تلك البيئة التى ستكون ثقيلة على طبعى وأخلاقى ، فأنا سأظل متمسك بوجهى
الدنيا الأبيض والأسود ، ومقتنع كامل الاقتناع أن " X "
علامة معناها الخطأ ولن يتغير معناها مهما تغيرت الظروف أو الأشخاص.